فصل: قال الأخفش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {ولا تحسبنّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ} [59] بالتاء لا اختلاف فيها. وقد قرأها حمزة بالياء. ونرى أنه اعتبرها بقراءة عبد اللّه.
وهى في قراءة عبد اللّه: {ولا يحسبنّ الذين كفروا أنهم سبقوا إنهم لا يعجزون} فإذا لم تكن فيها {أنّهم} لم يستقم للظنّ ألّا يقع على شيء. ولو أراد: ولا يحسب الذين كفروا أنهم لا يعجزون لاستقام، ويجعل لا صلة كقوله: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} يريد: أنهم يرجعون. ولو كان مع {سبقوا} أن استقام ذلك، فتقول: ولا يحسب الذين كفروا أن سبقوا.
فإن قال قائل: أليس من كلام العرب عسيت أذهب، وأريد أقوم معك، وأن فيهما مضمرة، فكيف لا يجوز أن تقول: أظن أقوم، وأظن قمت؟ قلت:
لو فعل ذلك في ظننت إذا كان الفعل للمذكور أجزته وإن كان اسما مثل قولهم: عسى الغوير أبؤسا، والخلقة لأن، فإذا قلت ذلك قلته في أظن فقلت: أظن أقوم، وأظن قمت لأن الفعل لك، ولا يجوز أظن يقوم زيد، ولا عسيت يقوم زيد ولا أردت يقوم زيد وجاز والفعل له لأنك إذا حوّلت يفعل إلى فاعل اتصلت به وهى منصوبة بصاحبها، فيقول: أريد قائما والقيام لك. ولا تقول أريد قائما زيد، ومن قال هذا القول قال مثله في ظننت. وقد أنشدنى بعضهم لذى الرّمّة:
أظنّ ابن طرثوث عتيبة ذاهبا ** بعاديّتى تكذابه وجعائله

فهذا مذهب لقراءة حمزة يجعل {سبقوا} في موضع نصب: لا يحسبن الذين كفروا سابقين. وما أحبها لشذوذها.
وقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ} [60] يريد إناث الخيل. حدّثنا محمد قال حدّثنا الفرّاء قال حدّثنا ابن أبى يحيى رفعه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «القوة: الرمي».
وقوله: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ}. ولو جعلتها نصبا من قوله: {وأعدّوا لهم} ولآخرين من دونهم كان صوابا كقوله: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا}. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمىّ: {ترهبون به عدوّا للّه وعدوّكم} كما قرأ بعضهم في الصفّ {كونوا أنصارا للّه}.
وقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها} [61] إن شئت جعلت {لها} كناية عن السلم لأنها مؤنثة. وإن شئت جعلته للفعلة كما قال: {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ولم يذكر قبله إلا فعلا، فالهاء للفعلة.
وقوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [63]: بين قلوب الأنصار من الأوس والخزرج كانت بينهم حرب، فلمّا دخل المدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصلح اللّه به وبالإسلام ذات بينهم.
وقوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ} [64] جاء التفسير: يكفيك اللّه ويكفى من اتبعك فموضع الكاف في {حسبك} خفض. و{من} في موضع نصب على التفسير كما قال الشاعر:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ** فحسبك والضّحاك سيف مهنّد

وليس بكثير من كلامهم أن يقولوا: حسبك وأخاك، حتى يقولوا: حسبك وحسب أخيك، ولكنا أجزناه لأن في {حسبك} معنى واقع من الفعل، رددناه على تأويل الكاف لا على لفظها كقوله: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} فردّ الأهل على تأويل الكاف.
وإن شئت جعلت {من} في موضع رفع، وهو أحبّ الوجهين إلىّ لأن التلاوة تدلّ على معنى الرفع ألا ترى أنه قال: {إن يكن منكم عشرون صبرون يغلبوا مائتين (65)} فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يغزى أصحابه على أنّ العشرة للمائة، والواحد للعشرة، فكانوا كذلك، ثم شقّ عليهم أن يقرن الواحد للعشرة فنزل: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ {66}} فبين اللّه قوّتهم أوّلا وآخرا. وقد قال هذا القول الكسائي ورفع {من}.
وقوله: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى} [67] معناه: ما كان ينبغى له يوم بدر أن يقبل فداء الأسرى {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}: حتى يغلب على كثير من في الأرض. ثم نزل:
قوله: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [68] في فداء الأسرى والغنائم. وقد قرئت {أسارى}، وكلّ صواب. وقوله: {أَنْ يَكُونَ} بالتذكير والتأنيث كقوله: {يشهد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} و{تشهد}.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [72] ثم قال: {أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} في المواريث، كانوا يتوارثون دون قراباتهم ممن لم يهاجر.
وذلك قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ} يريد: من مواريثهم.
وكسر الواو في الولاية أعجب إلىّ من فتحها لأنها إنما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت في معنى النصرة، وكان الكسائىّ يفتحها ويذهب بها إلى النصرة، ولا أراه علم التفسير. ويختارون في وليته ولاية الكسر، وقد سمعنا هما بالفتح والكسر في معنا هما جميعا، وقال الشاعر:
دعيهم فهم ألب علىّ ولاية ** وحفرهم أن يعلموا ذاك دائب

ثم نزلت بعد: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (75)} فتوارثوا، ونسخت هذه الآخرة الآية التي قبلها. وذلك أنّ قوله: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (73)}: إلا تتوارثوا على القرابات تكن فتنة. وذكر أنه في النصر: إلا تتناصروا تكن فتنة. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الأنفال:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
الواحد من الأَنفال: النَفَلُ.
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}.
وقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} فهذه الكاف يجوز ان تكون على قوله: {أُوْلائِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [4] {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}. وقال بعض أهل العلم {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [1] فأضاف {ذاتَ} إلى البَيْنِ وجعله {ذاتَ} لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث وبعضه يذكر نحو الدار والحائط أنّثت الدار وذكّر الحائط.
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.
وقال: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} فقوله: {أَنَّهَا} بدل من قوله: {إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ} وقال: {غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ} فأنث لأنه يعني الطائفة.
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}.
وقال: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ} معناها: إِضْرِبُوا الأَعْناقِ كما تقول: رأيتُ نَفْسَ زَيْدٍ تريد زيدًا.
{وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} واحد البَنانِ: البَنَانَةُ.
{ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ}.
وقال: {ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ} كأنه جعل ذلكم خبرًا لمبتدأ أَوْ مبتدأ أضمر خبره حتى كأنه قال: ذلِكُمْ الأَمْرُ أوْ الأَمْرُ ذلكم. ثم قال: {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} أيْ: الأَمْرُ ذلك م وهذا، فلذلك انفتحت أَنَّ. ومثل ذلك قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [18] وأمّا قول الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد العشرون بعد المائتين]:
ذاكَ وإِنِّي على جاري لَذُو حَدَبٍ ** أَحنو عَلَيْهِ كما يُحْنى على الجارِ

فإِنما كسر إِنَّ لدُخول اللام. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الحادي والعشرون بعد المائتين]:
وَأَعْلَمُ عِلْمًا ليسَ بالظنِّ أَنَّه ** إِذا ذَلَّ مَوْلَى المَرْءِ فَهْوَ ذَليل

وإِنَّ لِسانَ المَرْءِ ما لَمْ تَكُنْ لَهُ ** حَصاةٌ على عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ

فكسر الثانية لأن اللام بعدها. ومن العرب من يفتحها لأنه لا يدري أن بعدها لاما وقد سمع مثل ذلك من العرب في قوله: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11)} ففتح وهو غير ذاكر للام وهذا غلط قبيح.
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وقال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكنَّ اللَّهَ رَمَى} تقول العرب: واللهِ ما ضَرَبْتُ غَيْرَهُ وإِنما ضربت أخاه كما تقول ضَرَبَهُ الأَميرُ والاميرُ لم يَلِ ضَرْبَهُ. ومثلُ هذا في كلام العرب كثير.
{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وقال: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} فليس قوله- والله أعلم- {تُصِيبَنَّ} بجواب ولكنه نَهْيٌ بعدَ أمر، ولو كان جوابا ما دخلت النون.
{وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذاهُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
وقال: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذاهُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} فنصب {الحقَّ} لأن {هُوَ}- والله أعلم- جعلت هاهنا صلة في الكلام زائدة توكيدا كزيادة {ما}. ولا تزاد الا في كل فعل لا يستغنى عن خبر، وليست {هُوَ} بصفة لـ {هذا} لأنك لو قلت: رأيتُ هذا هُوَ لم يكن كلاما ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة ولكنها تكون من صفة المضمرة في نحو قوله: {ولكن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ} و{تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} لأنك تقول وَجَدْتُهُ هُوَ وأتاني هُو فتكون صفة، وقد تكون في هذا المعنى أيضًا غير صفة ولكنها تكون زائدة كما كان في الأول. وقد تجري في جميع هذا مجرى الاسم فيرفع ما بعده ان كان ما قبله ظاهرا او مضمرا في لغة لبني تميم في قوله: {إِنْ كانَ هذا هَوَ الحَقُّ} و{ولكنْ كانُوا هُمْ الظّالِمونَ} و{تَجِدُوهُ عندَ اللهِ هوَ خَيْرٌ وأَعْظَمُ أَجْرا} كما تقول كانُوا آباؤُهم الظالَمُون وانما جعلوا هذا المضمر نحو قولهم هُوَ وهُما وأَنْتَ زائدا في هذا المكان ولم يجعل في مواضع الصفة لأنه فصل أراد أن يبين به انه ليس بصفة [125] ما بعده لما قبله ولم يحتج الى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.
{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ ولكنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
وقال: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} فـ {أَنْ} هاهنا زائدة- والله أعلم- وقد عملت وقد جاء في الشعر، قال: [من البسيط وهو الشاهد السابع والاربعون بعد المائة]:
لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفانٌ لا ذُنُوبَ لَها ** إِلَيَّ لامَتْ ذَوُو أَحْسابِها عُمَرا

{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}.
وقال: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} نصب على خبر كانَ.
{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
وقال: {لِيَمَيِّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} جعله من مَيَّزَ مثقلة وخففها بعضهم فقال: {ليَمِيزَ} من مازَ يَمِيزُ وبها نقرأ.
{إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ولكن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
وقوله: {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ولكن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} وامر الله كله مفعول ولكن اراد أن يقص الاحتجاج عليهم وقَطْعَ العذرِ قبل اهلاكهم.
وقال: {إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} وقال بعضهم {بالعُدْوَةِ} وبها نقرأ وهما لغتان. وقال بعض العرب الفصحاء: العُدْيَةِ فقلب الواو ياء كما تقلب الياء واوا في نحو شَرْوَى وبَلْوى لأن ذلك يفعل بها فيما هو نحو من ذا نحو عَصِيّ وأرض مَسُنِيَّةٌ وفي قولهم قِنْيَة لأنها من قَنَوْتُ.
وقال: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ} فجعل الأَسْفَلَ ظرفا ولو شئت قلت {أَسْفَلُ منكم} اذا جعلته {الرَكْب} ولم تجعله ظرفا.
وقال: {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} فالزم الادغام اذ صار في موضع يلزمه الفتح فصار مثل باب التضعيف. فاذا كان في موضع لا يلزمه الفتح لم يدغم نحو {بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} الا ان تشاء ان تخفي وتكون في زنة متحرك لأنها لا تلزمه لأنك تقول: {تُحْيِي} فتسكن في الرفع وتحذف في الجزم، فكل هذا يمنعه الادغام. وقال بعضهم {مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ} ولم يدغم اذا كان لا يدغمه في سائر ذلك. وهذا أقبح الوجهين لأنّ حَيِيَ مثل خَشِيَ لما صارت مثل غير التضعيف أجرى الياء الاخرة مثل ياء خَشِيَ. وتقول للجميع قد حَيُوا كما تقول قَدْ خَشُوا ولا تدغم لأن ياء خَشُوا تعتل ها هنا. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المائتين]:
وَحَيٍّ حَسِبْناهُمْ فَوارِسَ كَهْمَسٍ ** حَيُوا بَعْدَما ماتُوا من الدَهْرِ أَعْصُرا

وقد ثَقَّل بعضُهم وتركها على ما كانت عليه وذلك قبيح. قال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المائتين]:
عَيُّوا بأَمْرِهِمُ كَما ** عَيَّتْ بِبَيْضَتِها الحَمامَة

جَعَلَتْ لَهُ عُودَيْنِ مِنْ ** نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمَامَهْ

{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ}.
وقال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [126] فأضمر الخبر والله اعلم. وقال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة]:
إِنْ يَكُنْ طِبَّكِ الدَّلالُ فَلَوْ فِي ** سالِفِ الدَّهْرِ والسنينَ الخَوالي

يريد بقوله فَلَوْ في سالِفِ الدَهْرِ أن يقول: فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا فحذف هذا الكلام كلّه.
{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وقال: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} فأنث السَّلْمَ وهو الصُلْح وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر.
{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}.
وقال: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} لأنَّ {حسبَك} اسم.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَائِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
وقال: {مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ} وهو في الولاءِ. وأَمّا في السلطان فالوِلايَة ولا أعلم كسر الواو في الأخرى الا لغة.
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَائِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَائِكَ مِنكُمْ} فجعل الخبر بالفاء كما تقول: الذي يَأْتِيني فَلَه دِرْهَمان فتلحق الفاء لما صارت في معنى المجازاة. اهـ.